فصل: فَصْلٌ: (الجهل بالنية والسبب والتعيين في اليمين)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


كِتَابُ‏:‏ الْأَيْمَانِ

‏(‏وَاحِدُهَا يَمِينٌ وَهِيَ الْقَسَمُ‏)‏ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ ‏(‏وَالْإِيلَاءُ وَالْحَلِفُ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ‏)‏ تَأْتِي وَأَصْلُ الْيَمِينِ الْيَدُ الْمَعْرُوفَةُ سُمِّيَ بِهَا الْحَلِفُ لِإِعْطَاءِ الْحَالِفِ يَمِينَهُ فِيهِ كَالْعَهْدِ وَالْمُعَاقَدَةِ ‏(‏فَالْيَمِينُ‏)‏ أَيْ الْحَلِفُ ‏(‏تَوْكِيدُ حُكْمٍ‏)‏ أَيْ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ ‏(‏بِذِكْرِ مُعَظَّمٍ‏)‏ اسْمِ مَفْعُولٍ وَهُوَ الْمَحْلُوفُ بِهِ ‏(‏عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ‏)‏ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ‏}‏ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْيَمِينُ ‏(‏وَجَوَابُهَا كَشَرْطٍ وَجَزَاءٍ‏)‏ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ‏}‏ وَحَدِيثِ ‏{‏إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ رَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَالْحَلِفُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ إرَادَةُ تَحْقِيقِ خَبَرٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ حُكْمٍ يَصِحُّ أَنْ يُخْبَرَ عَنْهُ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَقْبَلِ ‏(‏مُمْكِنٌ‏)‏ كَقِيَامٍ وَسَفَرٍ وَضَرْبٍ ‏(‏بِقَوْلٍ يُقْصَدُ بِهِ الْحَثُّ عَلَى فِعْلِ الْمُمْكِنِ‏)‏ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَأَقُومَنَّ أَوْ لَيَقُومَنَّ زَيْدٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ الْحَثُّ عَلَى ‏(‏تَرْكِهِ‏)‏ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَزْنِي أَبَدًا ‏(‏وَالْحَلِفُ عَلَى‏)‏ شَيْءٍ ‏(‏مَاضٍ إمَّا بَرٌّ وَهُوَ الصَّادِقُ‏)‏ كَوَاللَّهِ لَا ضَرَبْتُ زَيْدًا صَادِقًا ‏(‏أَوْ غَمُوسٌ وَهُوَ الْكَاذِبُ‏)‏ وَيَأْتِي وَجْهُ التَّسْمِيَةِ ‏(‏أَوْ لَغْوٌ وَهُوَ مَا‏)‏ أَيْ‏:‏ حَلِفٌ ‏(‏لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا إثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ‏)‏ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ كَحَلِفِهِ ظَانًّا صِدْقَ نَفْسِهِ فَيَبِينُ بِخِلَافِهِ‏.‏

‏(‏وَالْيَمِينُ الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ بِشَرْطِ الْحِنْثِ هِيَ‏)‏ الْيَمِينُ ‏(‏الَّتِي بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ كَ‏)‏ قَوْلِهِ ‏(‏وَاَللَّهِ الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ وَالْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَالْآخِرِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ وَخَالِقِ الْخَلْقِ وَرَازِقِ‏)‏ الْعَالَمِينَ ‏(‏أَوْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْعَالِمِ بِكُلِّ شَيْءٌ‏)‏ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَرَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ ‏(‏وَالرَّحْمَنِ‏)‏ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ اُدْعُوَا اللَّهَ أَوْ اُدْعُوَا الرَّحْمَنَ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الْآيَةَ فَجَعَلَ لَفْظَةَ اللَّهِ وَلَفْظَةَ الرَّحْمَنِ سَوَاءٌ فِي الدُّعَاءِ فَيَكُونَانِ سَوَاءٌ فِي الْحَلِفِ ‏(‏أَوْ‏)‏ اسْمِ اللَّهِ الَّذِي ‏(‏يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ وَلَمْ يَنْوِ‏)‏ الْحَالِفُ ‏(‏الْغَيْرَ كَالرَّحِيمِ‏)‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ‏}‏ ‏(‏وَالْعَظِيمِ‏)‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏(‏وَالْقَادِرِ‏)‏ لِقَوْلِهِمْ فُلَانٌ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ ‏(‏وَالرَّبِّ‏)‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ‏}‏ ‏(‏وَالْمَوْلَى‏)‏ لِقَوْلِهِمْ الْمَوْلَى لِلْمُعْتَقِ ‏(‏وَالرَّازِقِ‏)‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ‏}‏ ‏(‏وَالْخَالِقِ‏)‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي‏}‏ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ كَالسَّيِّدِ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ‏}‏ وَالْقَوِيِّ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ‏}‏ ‏(‏أَوْ‏)‏ الْيَمِينِ ‏(‏بِصِفَةٍ لَهُ‏)‏ تَعَالَى ‏(‏كَوَجْهِ اللَّهِ‏)‏ نَصًّا قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ‏}‏ ‏(‏وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ وَعِزَّتِهِ وَعَهْدِهِ وَمِيثَاقِهِ وَحَقِّهِ وَأَمَانَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَلَوْ نَوَى مُرَادَهُ أَوْ مَقْدُورَهُ أَوْ مَعْلُومَهُ‏)‏ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّهُ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ صَارَ يَمِينًا بِذِكْرِ اسْمِهِ تَعَالَى مَعَهُ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يُضِفْهَا‏)‏ إلَى اسْمِهِ ‏(‏لَمْ تَكُنْ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهَا صِفَتَهُ تَعَالَى‏)‏ فَتَكُونُ يَمِينًا‏.‏

إذَا لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِضَافَةِ كَوُجُودِهَا ‏(‏وَأَمَّا مَا لَا يُعَدُّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ أَوْ‏)‏ الَّذِي ‏(‏لَا يَنْصَرِفُ إطْلَاقُهُ إلَيْهِ‏)‏ تَعَالَى ‏(‏وَيَحْتَمِلُهُ كَالْحَيِّ وَالْوَاحِدِ وَالْكَرِيمِ فَإِنْ نَوَى بِهِ اللَّهَ تَعَالَى فَهُوَ يَمِينٌ‏)‏ لِنِيَّتِهِ بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ كَالرَّحِيمِ وَالْقَادِرِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَنْوِ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى ‏(‏فَلَا‏)‏ يَكُنْ يَمِينًا لِأَنَّ إطْلَاقَهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ تَعَالَى وَلَا نِيَّةَ تَصْرِفُهُ إلَيْهِ ‏(‏وَقَوْلُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَالِفِ مُبْتَدَأٌ ‏(‏وَاَيْمُ اللَّهِ‏)‏ يَمِينٌ كَقَوْلِهِ وَايْمُنُ اللَّهِ وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالنُّونِ مَعَ كَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هُوَ جَمْعُ يَمِينٍ وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ قَطْعٍ فَكَانُوا يَحْلِفُونَ بِالْيَمِينِ فَيَقُولُونَ وَيَمِينِ اللَّهِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْيَمِينِ بِمَعْنَى الْبَرَكَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَوْلُهُ ‏(‏لَعَمْرُ اللَّهِ‏)‏ تَعَالَى ‏(‏يَمِينٌ‏)‏ خَبَرٌ كَالْحَلِفِ بِبَقَائِهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ‏}‏ وَالْعَمْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا الْحَيَاةُ وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي الْقَسَمِ الْمَفْتُوحُ خَاصَّةً وَاللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا أَيْ‏:‏ قَسَمِي ‏(‏لَاهًا اللَّهِ‏)‏ مَعَ قَطْعِ هَمْزَةِ اللَّهِ وَوَصْلِهَا وَمَدِّهَا وَقَصْرِهَا فِيهِمَا فَلَيْسَ يَمِينًا ‏(‏إلَّا بِنِيَّةٍ‏)‏ فَيَكُونُ قَسَمًا لِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ قَلِيلًا ‏(‏وَأَقْسَمْتُ‏)‏ بِاَللَّهِ ‏(‏أَوْ أُقْسِمُ‏)‏ بِاَللَّهِ ‏(‏وَشَهِدْتُ‏)‏ بِاَللَّهِ ‏(‏وَآلَيْت‏)‏ بِاَللَّهِ ‏(‏أَوْ آلَى‏)‏ بِاَللَّهِ ‏(‏وَقَسَمًا‏)‏ بِاَللَّهِ ‏(‏وَحَلِفًا‏)‏ بِاَللَّهِ ‏(‏وَآلِيَّةً‏)‏ بِاَللَّهِ ‏(‏وَشَهَادَةً‏)‏ بِاَللَّهِ ‏(‏وَعَزِيمَةً بِاَللَّهِ يَمِينٌ‏)‏ نَوَاهُ بِذَلِكَ أَوْ أَطْلَقَ‏.‏

قَالَ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِاَللَّهِ لَا فَعَلْتُ بِلَا قَسَمٍ‏.‏

وَنَحْوِهِ كَانَ يَمِينًا فَإِذَا ضَمَّ إلَيْهِ مَا يُؤَكِّدُهُ كَانَ أَوْلَى ‏(‏وَإِنْ نَوَى‏)‏ بِذَلِكَ ‏(‏خَبَرًا فِيمَا يَحْتَمِلُهُ‏)‏ كَقَوْلِهِ نَوَيْت بِأَقْسَمْت بِاَللَّهِ وَنَحْوِهِ الْخَبَرَ عَنْ يَمِينٍ سَبَقَ أَوْ بِقَسَمٍ وَنَحْوِهِ عَنْ يَمِينٍ سَأُوقِعُهُ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا وَيُقْبَلُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِهِ ‏(‏أَوْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْكَلِمَاتِ السَّابِقَةِ وَهِيَ أَقْسَمْتُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا ‏(‏كُلِّهَا وَلَمْ يَنْوِ يَمِينًا فَلَا‏)‏ تَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ أَقْسَمْتُ وَأُقْسِمُ وَمَا بَعْدَهُمَا يَحْتَمِلُ الْقَسَمَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ تَصْرِفُهُ لِلْقَسَمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى‏.‏

‏(‏وَالْحَلِفُ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْمُصْحَفِ وَالْقُرْآنِ أَوْ سُورَةٍ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏أَوْ بِآيَةٍ مِنْهُ يَمِينٌ‏)‏ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى فَمَنْ حَلَفَ بِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ كَانَ حَالِفًا بِصِفَتِهِ تَعَالَى وَالْمُصْحَفُ يَتَضَمَّنُ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ تَعَالَى وَلِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي حَدِيثِ ‏{‏لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ‏}‏ وَقَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ مَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ كَلَامُ اللَّهِ ‏(‏فِيهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ‏)‏ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَالْكَلَامُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ الْحَلِفُ ‏(‏بِالتَّوْرَاةِ وَنَحْوِهَا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ‏)‏ كَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ فَهِيَ يَمِينٌ فِيهَا كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَنْصَرِفُ لِلْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لَا الْمُغَيَّرِ وَالْمُبَدَّلِ، وَلَا تَسْقُطُ حُرْمَةُ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ نَسَخَ الْحُكْمَ بِالْقُرْآنِ كَالْمَنْسُوخِ حُكْمُهُ مِنْ الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ انتهى‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ حروف القسم

وَحُرُوفُ الْقَسَمِ ثَلَاثَةٌ ‏(‏بَاءٌ‏)‏ وَهِيَ الْأَصْلُ، وَلِذَلِكَ بَدَأَ بِهَا لِأَنَّهَا حَرْفُ تَعْدِيَةٍ ‏(‏وَيَلِيهَا مُظْهَرٌ‏)‏ كَرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَلِيهَا ‏(‏مُضْمَرٌ‏)‏ كَاَللَّهِ أُقْسِمُ بِهِ ‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي ‏(‏وَاوٌ يَلِيهَا مُظْهَرٌ‏)‏ فَقَطْ كَوَاللَّهِ وَالنَّجْمِ وَهِيَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏تَاءٌ‏)‏ وَأَصْلُهَا الْوَاوُ و‏(‏يَلِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً‏)‏ نَحْوُ ‏{‏تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ‏}‏ وَشَذَّ تَالرَّحْمَنِ وتَرَبِّ الْكَعْبَةِ وتَرَبِّي وَنَحْوَهُ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَإِنْ ادَّعَى مَنْ أَتَى بِأَحَدِ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ فِي مَوْضِعِهِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْقَسَمَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ قَوْلُهُ ‏(‏بِاَللَّهِ لِأَفْعَلَنَّ يَمِينٌ‏)‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَرَدْت أَنِّي أَفْعَلُ بِمَعُونَةٍ اللَّهِ وَلَمْ أُرِدْ الْقَسَمَ لَمْ يُقْبَلْ وَفِي التَّرْغِيبِ‏:‏ إنْ نَوَى بِاَللَّهِ أَثِقْ ثُمَّ ابْتَدَأَ لِأَفْعَلَنَّ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ بَاطِنًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ قَوْلُهُ ‏(‏أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ بِنِيَّةٍ‏)‏ فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ انْعَقَدَ كَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْ‏:‏ أَسْأَلُك، وَإِنْ نَوَى السُّؤَالَ دُونَ الْيَمِينِ لَمْ يَنْعَقِدْ ‏(‏فَإِنْ أَطْلَقَ‏)‏ فَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا ‏(‏لَمْ يَنْعَقِدْ‏)‏ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْيَمِينَ وَغَيْرَهُ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِنِيَّةٍ ‏(‏وَيَصِحُّ قَسَمٌ بِغَيْرِ حَرْفِهِ كَ‏)‏ قَوْلِهِ ‏(‏اللَّهِ لِأَفْعَلَنَّ جَرًّا‏)‏ لِلِاسْمِ الْكَرِيمِ ‏(‏وَنَصْبًا‏)‏ لَهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لُغَةٌ صَحِيحَةٌ ‏{‏كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ اللَّهِ‏:‏ مَا أَرَدْتَ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً‏}‏ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ أَبِي جَهْلٍ ‏{‏وَقَالَ لَهُ‏:‏ اللَّهِ إنَّكَ قَتَلْتَهُ‏؟‏ اللَّهِ إنِّي قَتَلْتُهُ‏}‏‏.‏

‏(‏فَإِنْ نَصَبَهُ‏)‏ أَيْ الْمُقْسَمَ بِهِ ‏(‏مَعَ وَاوِ‏)‏ الْقَسَمِ ‏(‏أَوْ رَفَعَهُ مَعَهَا أَوْ‏)‏ رَفَعَهُ ‏(‏دُونَهَا فَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏يَمِينٌ‏)‏ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَرِّ وَغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ مَعَ اقْتِرَانِهِ بِالْجَوَابِ إرَادَةُ الْيَمِينِ ‏(‏إلَّا أَنْ لَا يَنْوِيَهَا‏)‏ لِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ الْإِعْرَابِ دَلِيلُ عَدَمِ قَصْدِ الْيَمِينِ فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ ‏(‏عَرَبِيٌّ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَلَا تَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْمُقْسَمَ بِهِ لَا يَكُونُ مَرْفُوعًا وَإِنَّمَا هُوَ مُبْتَدَأٌ أَوْ عَطْفٌ عَلَى شَيْءٌ تَقَدَّمَ وَلَا يَكُونُ مَنْصُوبًا مَعَ الْوَاوِ إذْ لَا تَكُونُ إذًا إلَّا عَاطِفَةٌ فَعُدُولُهُ عَنْ الْجَرِّ ظَاهِرٌ فِي إرَادَتِهِ غَيْرَ الْيَمِينِ فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ؛ لِأَنَّهُ لَاحِنٌ وَاللَّحْنُ لَا يُقَاوِمُ النِّيَّةَ كَلَحْنِهِ فِي الْقُرْآنِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا‏.‏

‏(‏وَيُجَابُ قَسَمٌ فِي إيجَابٍ‏)‏ أَيْ إثْبَاتٍ ‏(‏بِإِنْ‏)‏ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ‏(‏خَفِيفَةٍ‏)‏ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ‏}‏ ‏(‏وَ‏)‏ بِإِنْ ‏(‏ثَقِيلَةٍ‏)‏ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ‏}‏ ‏(‏وَبِلَامٍ‏)‏ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏}‏ وَلَامٍ ‏(‏وَنُونَيْ تَوْكِيدٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ الثَّقِيلَةِ وَالْخَفِيفَةِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِيُسْجَنَنَّ وَلْيَكُونَا مِنْ الصَّاغِرِينَ‏}‏ ‏(‏وَبِقَدْ‏)‏ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا‏}‏ بَعْدَ ‏{‏وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا‏}‏ ‏(‏وَبِبَلْ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ‏)‏ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا‏}‏ وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ فَقِيلَ‏:‏ إنَّهُ لَمُعْجِزٌ وَقِيلَ غَيْرُهُ ‏(‏وَ‏)‏ يُجَابُ قَسَمٌ ‏(‏فِي نَفْيٍ بِمَا‏)‏ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ‏}‏ ‏(‏وَبِإِنْ بِمَعْنَاهَا‏)‏ أَيْ مَا النَّافِيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ أَرَدْنَا إلَّا الْحُسْنَى‏}‏ ‏(‏وَبِلَا‏)‏ النَّافِيَةِ كَقَوْلِهِ‏:‏ وَآلَيْت لَا أَرْثِي لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ وَلَا مِنْ جَفَى حَتَّى تُلَاقِيَ مُحَمَّدَا ‏(‏وَتُحْذَفُ لَا‏)‏ مِنْ جَوَابِ قَسَمٍ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مُضَارِعًا ‏(‏كَنَحْوِ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ‏)‏ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ‏}‏‏.‏

‏(‏وَيُكْرَهُ حَلِفٌ بِالْأَمَانَةِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

وَفِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ‏.‏

‏(‏كَ‏)‏ مَا يُكْرَهُ الْحَلِفُ ‏(‏بِعِتْقٍ وَطَلَاقٍ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏لَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ‏}‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ‏.‏

‏(‏وَيَحْرُمُ‏)‏ الْحَلِفُ ‏(‏بِذَاتِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ‏)‏ غَيْرِ ‏(‏صِفَتِهِ‏)‏ تَعَالَى لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ‏"‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَهُوَ عَلَى التَّغْلِيظِ ‏(‏سَوَاءٌ أَضَافَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَحْلُوفَ بِهِ ‏(‏إلَيْهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ‏)‏ أَيْ الْحَالِفِ ‏(‏وَمَخْلُوقُ اللَّهِ وَمَقْدُورُهُ وَمَعْلُومِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، أَوْ لَا؛ كَقَوْلِهِ وَالْكَعْبَةِ‏)‏ وَالرَّسُولِ ‏(‏وَأَبِي‏)‏ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ ‏{‏لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا‏}‏ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّ حَسَنَةَ التَّوْحِيدِ أَعْظَمُ مِنْ حَسَنَةِ الصِّدْقِ وَسَيِّئَةَ الْكَذِبِ أَسْهَلُ مِنْ سَيِّئَةِ الشِّرْكِ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ ‏(‏وَلَا كَفَّارَةَ‏)‏ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ حَنِثَ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ صِيَانَةً لِأَسْمَائِهِ تَعَالَى وَغَيْرُهُ لَا يُسَاوِيهِ فِي ذَلِكَ ‏(‏وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ‏)‏ مِنْ أَصْحَابِنَا ‏(‏إلَّا فِي‏)‏ حَلِفٍ ‏(‏بِ‏)‏ نَبِيِّنَا ‏(‏مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَلَفَ بِهِ وَحَنِثَ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَصِيرُ بِهِمَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا‏.‏

وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ‏:‏ أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَهُوَ وَالْأَشْهَرُ لَا تَجِبُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ‏.‏

‏(‏وَيَجِبُ الْحَلِفُ لِإِنْجَاءِ مَعْصُومٍ مِنْ هَلَكَةٍ وَلَوْ نَفْسَهُ‏)‏ كَتَوَجُّهِ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُحِقٌّ ‏(‏وَبِنَدْبِ‏)‏ الْحَلِفِ ‏(‏لِمَصْلَحَةٍ‏)‏ كَإِزَالَةِ حِقْدٍ وَإِصْلَاحٍ بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ وَدَفْعِ شَرٍّ وَهُوَ صَادِقٌ‏.‏

‏(‏وَيُبَاحُ‏)‏ الْحَلِفُ ‏(‏عَلَى فِعْلِ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكِهِ‏)‏ كَأَكْلِ سَمَكٍ أَوْ تَرْكِهِ‏.‏

‏(‏وَيُكْرَهُ‏)‏ الْحَلِفُ ‏(‏عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ‏)‏ كَأَكْلِ بَصَلٍ وَثُومٍ نِيءٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلَى ‏(‏تَرْكِ مَنْدُوبٍ‏)‏ كَصَلَاةِ الضُّحَى‏.‏

‏(‏وَيَحْرُمُ‏)‏ الْحَلِفُ ‏(‏عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ‏)‏ كَشُرْبِ خَمْرٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلَى ‏(‏تَرْكِ وَاجِبٍ‏)‏ كَنَفَقَةٍ عَلَى نَحْوِ زَوْجَةٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَحْلِفُ ‏(‏كَاذِبًا عَالِمًا‏)‏ بِكَذِبِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْيَمِينَ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ وَكَذَا الْحِنْثُ فِيهِ وَالْبَرُّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِ ‏(‏وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ أَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ سُنَّ حِنْثُهُ وَكُرِهَ بَرُّهُ‏)‏ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى بِرِّهِ مِنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبِ قَادِرًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏عَلَى فِعْلِ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ كُرِهَ حِنْثُهُ وَسُنَّ بِرُّهُ‏)‏ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى بِرِّهِ مِنْ الثَّوَابِ بِفِعْلِ الْمَنْدُوبِ وَتَرْكِ الْمَكْرُوهِ امْتِثَالًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ‏)‏ عَلَى ‏(‏تَرْكِ مُحَرَّمٍ حُرِّمَ حِنْثُهُ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ ‏(‏وَوَجَبَ بِرُّهُ‏)‏ لِمَا مَرَّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ أَوْ‏)‏ عَلَى ‏(‏تَرْكِ وَاجِبٍ وَجَبَ حِنْثُهُ‏)‏ لِئَلَّا يَأْثَمَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ ‏(‏وَحُرِّمَ بِرُّهُ‏)‏ لِمَا سَبَقَ‏.‏

‏(‏وَيُخَيَّرُ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏فِي مُبَاحٍ‏)‏ لِيَفْعَلَنَّهُ أَوْ لَا يَفْعَلُهُ بَيْنَ حِنْثِهِ وَبِرِّهِ ‏(‏وَحِفْظُهَا فِيهِ أَوْلَى‏)‏ مِنْ حِنْثِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ‏}‏ ‏(‏كَافْتِدَاءِ مُحِقٍّ‏)‏ فِي دَعْوَى عَلَيْهِ ‏(‏لِيَمِينٍ‏)‏ ‏(‏وَاجِبَةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَجَبَتْ ‏(‏عَلَيْهِ عِنْدَ حَاكِمٍ‏)‏ فَافْتِدَاؤُهُ أَوْلَى مِنْ حَلِفِهِ لِفِعْلِ عُثْمَانَ وَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ خِفْت أَنْ يُوَافِقَ قَدَرُ بَلَاءٍ فَيُقَالُ‏:‏ يَمِينُ عُثْمَانَ‏.‏

‏(‏وَيُبَاحُ‏)‏ الْحَلِفُ لِمُحِقٍّ ‏(‏عِنْدَ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ الْحَاكِمِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ يُسْتَحَبُّ لِمَصْلَحَةٍ كَزِيَادَةِ طُمَأْنِينَةٍ وَتَوْكِيدِ الْأَمْرِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ ‏"‏ وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا ‏"‏ تَطْمِينًا مِنْهُ لِقَلْبِهِ‏.‏

‏(‏وَلَا يَلْزَمُ‏)‏ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ ‏(‏إبْرَارُ قَسَمٍ كَ‏)‏ مَا لَا تَلْزَمُ ‏(‏إجَابَةُ سُؤَالٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى‏)‏ لِأَنَّ الْإِيجَابَ بَابُهُ التَّوْفِيقُ وَلَا تَوْفِيقَ فِيهِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا تَجِبُ إجَابَةُ سَائِلٍ يُقْسِمُ عَلَى النَّاسِ‏.‏

‏(‏وَيُسَنُّ‏)‏ إبْرَارُ قَسَمٍ كَإِجَابَةِ سُؤَالٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ‏:‏ ‏{‏وَأُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ‏:‏ الَّذِي يَسْأَلُ بِاَللَّهِ وَلَا يُعْطِي بِهِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏تَكْرَارُ حَلِفٍ فَإِنْ أُفْرِطَ‏)‏ فِي التَّكْرَارِ ‏(‏كُرِهَ‏)‏ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ‏}‏ وَهُوَ ذَمٌّ لَهُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ الْإِكْثَارِ‏.‏

نَقَلَ حَنْبَلٌ‏:‏ لَا تُكْثِرُوا الْحَلِفَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏شروط وجوب كافرة اليمين‏]‏

وَلِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْيَمِينِ ‏(‏أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ‏:‏

أَحَدُهَا‏:‏ قَصْدُ عَقْدِ الْيَمِينِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ‏}‏ ‏(‏فَلَا تَنْعَقِدُ‏)‏ الْيَمِينُ ‏(‏لَغْوًا بِأَنْ سَبَقَتْ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْيَمِينُ ‏(‏عَلَى لِسَانِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَالِفِ ‏(‏بِلَا قَصْدٍ كَقَوْلِهِ‏:‏ لَا وَاَللَّهِ وبَلَى وَاَللَّهِ فِي عُرْضِ حَدِيثِهِ‏)‏ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مَوْقُوفًا وَالْعُرْضُ بِالضَّمِّ الْجَانِبُ وَبِالْفَتْحِ خِلَافُ الطُّولِ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ ‏(‏مِنْ نَائِمٍ وَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَمُغْمًى عَلَيْهِ وَمَعْتُوهٍ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُمْ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّانِي‏:‏ كَوْنُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْيَمِينِ ‏(‏عَلَى مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ‏)‏ لِيَتَأَتَّى بِرُّهُ وَحِنْثُهُ بِخِلَافِ الْمَاضِي وَغَيْرِ الْمُمْكِنِ ‏(‏فَلَا تَنْعَقِدُ‏)‏ الْيَمِينُ بِحَلِفٍ ‏(‏عَلَى مَاضٍ كَاذِبًا عَالِمًا بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِكَذِبِهِ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْيَمِينُ ‏(‏الْغَمُوسُ‏)‏ سُمِّيَتْ بِهِ ‏(‏لِغَمْسِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَالِفِ بِهَا ‏(‏فِي الْإِثْمِ ثُمَّ فِي النَّارِ‏)‏ أَيْ‏:‏ لِتَرَتُّبِ ذَلِكَ عَلَيْهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلَى مَاضٍ ‏(‏ظَانًّا صِدْقَ نَفْسِهِ فَيَتَبَيَّنُ بِخِلَافِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ خِلَافِ ظَنِّهِ فَلَا كَفَّارَةَ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ‏}‏ وَهَذَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَلَوْ وَجَبَتْ بِهِ كَفَّارَةٌ لَشَقَّ وَحَصَلَ الضَّرَرُ وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يَنْعَقِدُ يَمِينٌ عُلِّقَ الْحِنْثُ فِيهَا ‏(‏عَلَى وُجُودِ فِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ لِذَاتِهِ كَشُرْبِ مَاءِ الْكُوزِ‏)‏ كَقَوْلِ وَاَللَّهِ لَا شَرِبْتُ مَاءَ الْكُوزِ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ إنْ شَرِبْتُ مَاءَ الْكُوزِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الْحَالُ أَنَّهُ ‏(‏لَا مَاءَ فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْكُوزِ وَكَذَا لَا جَمَعْتُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ أَوْ رَدَدْتُ أَمْسِ وَنَحْوِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلَى وُجُودِ فِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ ‏(‏لِغَيْرِهِ‏)‏ بِأَنْ يَكُونَ مُسْتَحِيلًا عَادَةً ‏(‏كَقَتْلِ الْمَيِّتِ أَوْ إحْيَائِهِ‏)‏ كَقَوْلِهِ‏:‏ وَاَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا الْمَيِّتَ أَوْ لِأُحْيِيَنَّهُ وَنَحْوِهِ أَوْ لَا طِرْت أَوْ لَا صَعِدْت السَّمَاءَ أَوْ لَا قَلَبْتُ الْحَجَرَ ذَهَبًا ‏(‏وَتَنْعَقِدُ‏)‏ الْيَمِينُ بِحَلِفٍ ‏(‏عَلَى عَدَمِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَحِيلِ لِذَاتٍ أَوْ عَادَةٍ كَقَوْلِهِ‏:‏ وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ لَأَرْدُدَنَّ أَمْسِ أَوْ لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا الْمَيِّتَ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ‏)‏ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ‏(‏فِي الْحَالِ‏)‏ لِاسْتِحَالَةِ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَحِيلِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏كُلُّ‏)‏ مَقَالَةٍ ‏(‏مُكَفَّرَةٍ‏)‏ بِفَتْحِ الْفَاءِ الْمُشَدَدَّةِ أَيْ‏:‏ تَدْخُلُهَا الْكَفَّارَةُ كَالظِّهَارِ وَقَوْلُهُ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوُهُ ‏(‏كَيَمِينٍ بِاَللَّهِ‏)‏ فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّالِثُ‏:‏ كَوْنُ حَالِفٍ مُخْتَارًا‏)‏ لِلْيَمِينِ ‏(‏فَلَا تَنْعَقِدُ مِنْ مُكْرَهٍ عَلَيْهَا‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ‏}‏‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الرَّابِعُ‏:‏ الْحِنْثُ بِفِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ بِتَرْكِ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ‏)‏ فَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ فَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ حُرْمَةَ الْقَسَمِ ‏(‏وَلَوْ كَانَ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ وَتَرَكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ مُحَرَّمَيْنِ‏)‏ كَمَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْخَمْرِ فَشَرِبَهَا أَوْ صَلَاةِ فَرْضٍ فَتَرَكَهَا فَيَكْفُرُ لِوُجُودِ الْحِنْثِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ حِنْثَ إنْ خَالَفَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ‏(‏مُكْرَهًا‏)‏ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَحُمِلَ مُكْرَهًا فَأُدْخِلَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ لِلْخَبَرِ ‏(‏أَوْ‏)‏ خَالَفَهُ ‏(‏جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا‏)‏ كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي الْمِثَالِ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ أَوْ جَاهِلًا أَنَّهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا فَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ لِلْخَبَرِ وَكَذَا إنْ فَعَلَهُ مَجْنُونًا ‏(‏وَمَنْ اسْتَثْنَى فِيمَ يُكَفَّرُ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ‏.‏

أَيْ تَدْخُلُهُ الْكَفَّارَةُ ‏(‏كَيَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَنَذْرٍ وَظِهَارٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِئَ مِنْ الْإِسْلَامِ إنْ فَعَلَ كَذَا وَنَحْوِهِ ‏(‏بِ‏)‏ قَوْلِهِ مُتَعَلِّقٌ بِ اسْتَثْنَى ‏(‏إنْ شَاءَ‏)‏ اللَّهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ بِقَوْلِهِ إنْ ‏(‏أَرَادَ اللَّهُ أَوْ‏)‏ بِقَوْلِهِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَقَصَدَ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَعْلِيقَ الْفِعْلِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إرَادَتِهِ بِخِلَافِ مَنْ قَالَ تَبَرُّكًا أَوْ سَبَقَ بِهِ لِسَانُهُ بِلَا قَصْدٍ ‏(‏وَاتَّصَلَ‏)‏ اسْتِثْنَاؤُهُ بِيَمِينِهِ ‏(‏لَفْظًا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِسُكُوتٍ وَلَا غَيْرِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ اتَّصَلَ ‏(‏حُكْمًا كَقَطْعٍ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ نَحْوِهِ‏)‏ كَعَطْسٍ ‏(‏لَمْ يَحْنَثْ فَعَلَ‏)‏ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ ‏(‏أَوْ تَرَكَهُ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ فَلَهُ ثُنْيَاهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ‏}‏ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد وَلِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ قَالَ‏.‏

لَا أَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَفَعَلَ عُلِمَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ تَرْكَهُ وَإِذَا قَالَ لَا أَفْعَلَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَفْعَلْ عُلِمَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ فِعْلَهُ وَهُوَ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى الْفِعْلِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَشِيئَةِ وَلَمْ تُوجَدْ وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ‏}‏ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ وَكَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا‏.‏

‏(‏وَيُعْتَبَرُ نُطْقُ غَيْرِ مَظْلُومٍ خَائِفٍ‏)‏ بِأَنْ لَا يَلْفِظَ بِالِاسْتِثْنَاءِ نَصًّا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ فَقَالَ ‏"‏ وَالْقَوْلُ بِاللِّسَانِ وَأَمَّا الْمَظْلُومُ الْخَائِفُ فَتَكْفِيهِ نِيَّتُهُ لِأَنَّ يَمِينَهُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ أَوْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَأَوِّلِ ‏(‏وَ‏)‏ يُعْتَبَرُ ‏(‏قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ تَمَامِ‏.‏

مُسْتَثْنًى مِنْهُ أَوْ بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَعْدَ تَمَامِ مُسْتَثْنًى مِنْهُ ‏(‏قَبْلَ فَرَاغِهِ‏)‏ مِنْ كَلَامِهِ لِحَدِيثِ ‏{‏إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ‏}‏ ‏(‏وَمَنْ شَكَّ فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ لَمْ يَدْرِ أَتَى بِهِ أَوْ لَا ‏(‏فَكَمَنْ لَمْ يَسْتَثْنِ‏)‏ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ‏(‏وَإِنْ حَلَفَ لِيَفْعَلَنَّ شَيْئًا وَعَيَّنَ وَقْتًا‏)‏ لِفِعْلِهِ كَلَأُعْطِيَنَّ زَيْدًا دِرْهَمًا يَوْمَ كَذَا أَوْ سَنَةَ كَذَا ‏(‏تَعَيَّنَ‏)‏ ذَلِكَ الْوَقْتُ لِذَلِكَ الْفِعْلِ فَإِنْ فَعَلَهُ فِيهِ وَإِلَّا حَنِثَ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى يَمِينِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يُعَيَّنُ لِلْفِعْلِ وَقْتًا بِأَنْ قَالَ لَأُعْطِيَنَّ زَيْدًا دِرْهَمًا ‏(‏لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ فِعْلِهِ‏)‏ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ ‏(‏بِتَلَفِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ أَوْ مَوْتِ حَالِفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا‏)‏ لِقَوْلِ عُمَرَ‏:‏ ‏{‏يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تُخْبِرْنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى أَفَأَخْبَرْتُك أَنَّكَ آتِيهِ الْعَامَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا، قَالَ‏:‏ فَإِنَّكَ آتِيهِ وَتَطُوفُ بِهِ‏}‏ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ عَلَيْهِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَفِعْلُهُ مُمْكِنٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَا تَتَحَقَّقُ مُخَالَفَةُ الْيَمِينِ إلَّا بِالْيَأْسِ‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏من حرم حلالا‏]‏

وَمَنْ حَرَّمَ حَلَالًا سِوَى زَوْجَتِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ لِبَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ كَثَوْبٍ وَفِرَاشٍ ‏(‏كَقَوْلِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَا زَوْجَةَ‏)‏ لَهُ ‏(‏أَوْ نَحْوَهُ‏)‏ كَقَوْلِهِ كَسْبِي عَلَيَّ حَرَامٌ ‏(‏أَوْ طَعَامِي عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ‏)‏ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَأَمَّا تَحْرِيمُ زَوْجَتِهِ فَظِهَارٌ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ ‏(‏أَوْ عَلَّقَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَحْرِيمِ حَلَالٍ سِوَى زَوْجَتِهِ ‏(‏بِشَرْطٍ كَ‏)‏ قَوْلِهِ عَنْ طَعَامٍ ‏(‏إنْ أَكَلْته فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ لَمْ يَحْرُمْ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ‏}‏ وَالْيَمِينُ عَلَى الشَّيْءِ لَا يُحَرِّمُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ حُرِّمَ بِذَلِكَ لَتَقَدَّمَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ كَالظِّهَارِ ‏(‏وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ فَعَلَهُ‏)‏ نَصًّا لِلْآيَةِ وَسَبَبُ نُزُولِهَا ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لَنْ أَعُودَ إلَى شُرْبِ الْعَسَلِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينًا‏}‏ فَإِنْ تَرَكَ مَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ‏)‏ إنْ فَعَلَ كَذَا أَوْ لِيَفْعَلَنَّهُ ‏(‏أَوْ هُوَ يَعْبُدُ الصَّلِيبَ أَوْ‏)‏ يَعْبُدُ ‏(‏غَيْرَ اللَّهِ‏)‏ تَعَالَى ‏(‏أَوْ‏)‏ هُوَ ‏(‏بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ‏)‏ تَعَالَى ‏(‏أَوْ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ‏)‏ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ إنْ فَعَلَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ هُوَ ‏(‏يَكْفُرُ بِاَللَّهِ أَوْ لَا يَرَاهُ‏)‏ اللَّهُ ‏(‏فِي مَوْضِعٍ كَذَا‏)‏ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ إنْ فَعَلَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ هُوَ ‏(‏يَكْفُرُ بِاَللَّهِ أَوْ لَا يَرَاهُ‏)‏ اللَّهُ ‏(‏فِي مَوْضِعِ كَذَا‏)‏ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ إنْ فَعَلَ كَذَا ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ هُوَ ‏(‏يَسْتَحِلُّ الزِّنَا أَوْ الْخَمْرَ أَوْ أَكْلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ تَرْكَ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الزَّكَاةِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الطَّهَارَةِ مُنْجِزًا كَلَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ مُعَلِّقًا كَإِنْ فَعَلَ كَذَا فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا‏)‏ لِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ الضَّحَّاكِ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ‏(‏وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ خَالَفَ‏)‏ فَفَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ تَرَكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ حَيْثُ يَحْنَثُ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ بَرِئَ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي الْيَمِينِ يَحْلِفُ بِهَا فَيَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَقَالَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ يُوجِبُ هَتْكَ الْحُرْمَةِ فَكَانَ يَمِينًا كَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ هُوَ فَاسِقٌ وَنَحْوِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ قَالَ عَصَيْت اللَّهَ أَوْ أَنَا أَعْصِي اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ أَوْ مَحَوْت الْمُصْحَفَ أَوْ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ‏)‏ أَوْ هُوَ زَانٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ ‏(‏أَوْ قَطَعَ اللَّهُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ أَوْ لَعَمْرُهُ‏)‏ أَوْ لَعَمْرُ أَبِيهِ وَنَحْوِهِ ‏(‏لَيَفْعَلَنَّ‏)‏ كَذَا ‏(‏أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا‏)‏ فَلَغْوٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُوجِبُ هَتْكَ الْحُرْمَةِ فَلَمْ تَكُنْ يَمِينًا فَبَقِيَ الْحَالِفُ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ ‏(‏إنْ فَعَلَهُ‏)‏ أَيْ كَذَا ‏(‏فَعَبْدُ زَيْدٍ حُرٌّ أَوْ مَالُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ زَيْدٍ ‏(‏صَدَقَةٌ وَنَحْوُهُ‏)‏ كَانَ فَعَلَ كَذَا فَعَلَى زَيْدٍ الْحَجُّ أَوْ فَزَيْدٌ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏لَغْوٌ‏)‏ لِمَا مَرَّ‏.‏

‏(‏وَيَلْزَمُ بِحَلِفٍ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ ظِهَارٌ وَطَلَاقٌ وَعِتَاقٌ وَنَذْرٌ وَيَمِينٌ بِاَللَّهِ‏)‏ تَعَالَى وَإِلَّا فَلَغْوٌ ‏(‏مَعَ النِّيَّةِ‏)‏ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِكُلٍّ عَلَى انْفِرَادِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَلْزَمُ بِحَلِفٍ ‏(‏بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ‏)‏ أَيْ مُبَايَعَةِ الْإِسْلَامِ ‏(‏وَهِيَ أَيْمَانٌ رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ‏)‏ بْنُ يُوسُفَ بْنُ الْحَكَمِ بْنُ عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ وَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ قِتَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَحَاصَرَهُ بِمَكَّةَ ثُمَّ قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ فَوَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحِجَازَ ثَلَاثَ سِنِينَ ثُمَّ وَلَّاهُ الْعِرَاقَ فَوَلِيَهَا عِشْرِينَ سَنَةً ‏(‏تَتَضَمَّنُ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَصَدَقَةَ الْمَالِ مَا فِيهَا‏)‏ فَاعِلٌ يَلْزَمُ أَيْ‏:‏ يَلْزَمُ هَذِهِ الْأَيْمَانَ ‏(‏إنْ عَرَفَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَيْمَانَ الْبَيْعَةِ ‏(‏وَنَوَاهَا‏)‏ لِانْعِقَادِ الْأَيْمَانِ بِالْكِنَايَةِ الْمَنْوِيَّةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَكَمَا لَوْ لَفَظَ بِكُلِّ يَمِينٍ وَحْدَهَا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَعْرِفُ مَعْنَاهَا وَيَنْوِيهَا بِأَنْ انْتَفَيَا أَوْ أَحَدُهُمَا ‏(‏فَ‏)‏ كَلَامُهُ ذَلِكَ ‏(‏لَغْوٌ‏)‏ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ هَذِهِ الْأَيْمَانِ فَتُعْتَبَرُ فِيهَا النِّيَّةُ وَالنِّيَّةُ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَنْوِيِّ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الْمَعْرِفَةُ أَوْ النِّيَّةُ لَمْ تَنْعَقِدْ‏.‏

‏(‏وَمَنْ حَلَفَ بِإِحْدَاهَا‏)‏ أَيْ الْأَيْمَانِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ وَنَحْوِهَا ‏(‏فَقَالَ لَهُ آخَرُ يَمِينِي فِي يَمِينِك أَوْ‏)‏ قَالَ لَهُ يَمِينِي ‏(‏عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ يَمِينِك ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ لَهُ آخَرُ يَمِينِي ‏(‏مِثْلُهَا أَوْ‏)‏ قَالَ لَهُ آخَرُ ‏(‏أَنَا عَلَى مِثْلِ يَمِينِك أَوْ أَنَا مَعَكَ فِي يَمِينِك يُرِيدُ‏)‏ الْآخَرِ ‏(‏الْتِزَامَ مِثْلِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ يَمِينِ الْحَالِفِ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْآخَرِ مِثْلُهَا لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَمِينِ بِمِثْلِ مَا حَلَفَ بِهِ وَقَدْ نَوَاهُ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ ‏(‏إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى‏)‏ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا لِمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُعَظَّمِ الْمُحْتَرَمِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الْكِنَايَةِ وَلَا غَيْرِهَا‏.‏

قُلْت فَيَشْكُلُ لُزُومُهَا فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ وَأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ فَلْيُحَرَّرْ الْفَرْقُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ‏)‏ عَلَيَّ ‏(‏يَمِينٌ فَقَطْ‏)‏ أَيْ وَلَمْ يَقُلْ إنْ فَعَلْت كَذَا وَنَحْوَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ ‏(‏عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ يَمِينٌ إنْ فَعَلْت كَذَا وَنَحْوَهُ وَفَعَلَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ‏)‏ قَالَ ‏(‏عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ‏)‏ قَالَ عَلَيَّ ‏(‏مِيثَاقُهُ إنْ فَعَلْت كَذَا وَفَعَلَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ‏)‏ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا ‏{‏كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ‏}‏ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَمَنْ قَالَ مَالِي لِلْمَسَاكِينِ وَأَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِحَلِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ فَكِذْبَةٌ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا‏)‏ نَصًّا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ

وَتُجْمَعُ تَخْيِيرًا بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالْعِتْقِ ‏(‏ثُمَّ تَرْتِيبًا‏)‏ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالصَّوْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ‏}‏ ‏(‏فَيُخَيَّرُ مَنْ لَزِمَتْهُ‏)‏ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ‏(‏بَيْنَ ثَلَاثَةِ‏)‏ أَشْيَاءَ ‏(‏إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ جِنْسٍ‏)‏ وَاحِدٍ ‏(‏أَوْ أَكْثَرَ‏)‏ مِنْ جِنْسِ مَا يُجْزِي مِنْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَأَقِطٍ بِأَنْ أَطْعَمَ بَعْضَهُمْ بُرًّا وَبَعْضَهُمْ تَمْرًا مَثَلًا ‏(‏أَوْ كِسْوَتُهُمْ‏)‏ وَهِيَ ‏(‏لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ‏)‏ الْفَرْضَ ‏(‏فِيهِ وَلِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ قَمِيصٌ ‏(‏وَخِمَارٌ كَذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ تُجْزِئُهَا صَلَاتُهَا فِيهِمَا ‏(‏أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ‏)‏ مُسْلِمَةٍ سَلِيمَةٍ مِمَّا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي الظِّهَارِ وَيُجْزِئُ الْكِسْوَةُ مِنْ كَتَّانٍ وَقُطْنٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَشَعْرٍ وَلِلنِّسَاءِ مِنْ حَرِيرٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَطْلَقَ كِسْوَتَهُمْ فَأَيْ جِنْسٍ كَسَاهُمْ خَرَجَ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ ‏(‏وَيُجْزِئُ‏)‏ الْجَدِيدُ وَاللَّبِيسُ ‏(‏مَا لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ‏)‏ لِعُمُومِ الْآيَةِ فَإِنْ ذَهَبَتْ قُوَّتُهُ لَمْ يُجْزِئْ لِأَنَّهُ صَارَ مَعِيبًا كَالْحَبِّ الْمُسَوَّسِ ‏(‏فَإِنْ عَجَزَ‏)‏ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ‏(‏كَعَجْزٍ عَنْ فِطْرَةٍ‏)‏ وَتَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ ‏(‏صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ‏)‏ لِلْآيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ ‏(‏مُتَتَابِعَةً وُجُوبًا‏)‏ لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ وَكَصَوْمِ الْمُظَاهِرِ بِجَامِعِ أَنَّهُ صَوْمٌ فِي كَفَّارَةٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْعِتْقِ ‏(‏إنْ لَمْ يَكُنْ‏)‏ لِلْمُكَفِّرِ ‏(‏عُذْرٌ‏)‏ فِي تَرْكِ التَّتَابُعِ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ ‏(‏وَيُجْزِئُ‏)‏ فِي الْكَفَّارَةِ ‏(‏أَنْ يُطْعِمَ بَعْضًا‏)‏ مِنْ الْمَسَاكِينِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يَكْسُوَ بَعْضًا‏)‏ كَأَنْ أَطْعَمَ خَمْسًا وَكَسَا خَمْسًا لِأَنَّهُ تَعَالَى خَيَّرَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فَكَانَ مَرْجِعُهَا إلَى اخْتِيَارِهِ فِي الْعَشَرَةِ وَفِي بَعْضِهِمْ و‏(‏لَا‏)‏ يُجْزِئُهُ ‏(‏تَكْمِيلُ عِتْقٍ بِإِطْعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ‏)‏ بِأَنْ أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَأَطْعَمَ أَوْ كَسَا خَمْسَةَ مَسَاكِينَ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ رَقَبَةً وَلَمْ يُطْعِمْ أَوْ يَكْسُو عَشَرَةَ مَسَاكِينَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏لَا‏)‏ يُجْزِئُ تَكْمِيلُ ‏(‏الطَّعَامِ‏)‏ أَوْ كِسْوَةٍ ‏(‏بِصَوْمٍ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَكْسُ أَوْ يُطْعِمْ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ ‏(‏كَبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ‏)‏ فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا تَكْمِيلُ عِتْقٍ بِصَوْمٍ أَوْ إطْعَامٍ وَلَا تَكْمِيلٍ صَوْمٍ بِإِطْعَامٍ وَكَذَا لَا يُجْزِئُ هُنَا أَنْ يُطْعِمَ الْمِسْكِينَ بَعْضَ الطَّعَامِ وَيَكْسُوَهُ بَعْضَ الْكِسْوَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْعِمْهُ وَلَمْ يَكْسُهُ ‏(‏وَمَنْ مَالُهُ غَائِبٌ‏)‏ عَنْهُ ‏(‏يَسْتَدِينُ‏)‏ وَيُكَفِّرُ ‏(‏إنْ قَدَرَ‏)‏ عَلَى الِاسْتِدَانَةِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ‏(‏صَامَ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ‏.‏

‏(‏وَتَجِبُ كَفَّارَةٌ وَنَذْرٌ‏)‏ أَيْ إخْرَاجُهُمَا ‏(‏فَوْرًا بِحِنْثٍ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ ‏(‏وَإِخْرَاجُهَا‏)‏ أَيْ الْكَفَّارَةِ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحِنْثِ ‏(‏وَبَعْدَهُ‏)‏ فِي الْفَضِيلَةِ ‏(‏سَوَاءٌ‏)‏ وَلَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

وَفِي لَفْظٍ ‏"‏ رَأَيْتَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ‏"‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا وَلِأَنَّهُ كَفَّرَ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ فَأَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ كَفَّرَ فِي الْقَتْلِ بَعْدَ الْجَرْحِ وَقَبْلَ الزُّهُوقِ وَالسَّبَبُ هُوَ الْيَمِينُ لِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ وَتَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِهِ وَالْحِنْثُ شَرْطٌ ‏(‏وَلَا تُجْزِئ‏)‏ كَفَّارَةٌ أُخْرِجَتْ ‏(‏قَبْلَ حَلِفٍ‏)‏ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ لِلْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ كَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ لَزِمَتْهُ أَيْمَانٌ مُوجِبُهَا وَاحِدٌ وَلَوْ عَلَى أَفْعَالٍ‏)‏ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت كَذَا وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت كَذَا وَحَنِثَ فِي الْكُلِّ ‏(‏قَبْلَ تَكْفِيرٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ‏)‏ نَصًّا لِأَنَّهَا كَفَّارَاتٌ مِنْ جِنْسٍ فَتَدَاخَلَتْ كَالْحُدُودِ مِنْ جِنْسٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَحَالُّهَا كَمَا لَوْ زَنَى بِنِسَاءٍ أَوْ سَرَقَ مِنْ جَمَاعَةٍ ‏(‏وَكَذَا حَلَفَ بِنُذُورٍ مُكَرَّرَةٍ‏)‏ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا وَفَعَلَهُ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِلزَّجْرِ وَالتَّطْهِيرِ فَهِيَ كَالْحُدُودِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ‏(‏وَإِنْ اخْتَلَفَ مُوجِبُهَا‏)‏ أَيْ الْكَفَّارَةِ ‏(‏كَظِهَارٍ وَيَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَزِمَتَاهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْكَفَّارَتَانِ ‏(‏وَلَمْ تَتَدَاخَلَا‏)‏ لِاخْتِلَافِ جِنْسِهِمَا‏.‏

‏(‏وَمَنْ حَلَفَ يَمِينًا‏)‏ وَاحِدَةً ‏(‏عَلَى أَجْنَاسٍ‏)‏ مُخْتَلِفَةٍ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا ذَهَبْت إلَى فُلَانٍ وَلَا كَلَّمْتُهُ وَلَا أَخَذْت مِنْهُ ‏(‏فَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ‏)‏ سَوَاءٌ ‏(‏حَنِثَ فِي الْجَمِيعِ أَوْ فِي وَاحِدَةٍ وَتَنْحَلُّ‏)‏ الْيَمِينُ ‏(‏فِي الْبَقِيَّةِ‏)‏ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَحِنْثُهَا وَاحِدٌ وَإِنْ حَلَفَ أَيْمَانًا عَلَى أَجْنَاسٍ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا بِعْت كَذَا وَاَللَّهِ لَاشْتَرَيْت كَذَا وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت كَذَا فَحَنِثَ فِي وَاحِدَةٍ وَكَفَّرَ ثُمَّ حَنِثَ فِي الْأُخْرَى لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ لِوُجُوبِهَا بِالْحِنْثِ بَعْدَ أَنْ كَفَّرَ عَنْ الْأُولَى كَمَا لَوْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَكَفَّرَ ثُمَّ وَطِئَ فِيهِ أُخْرَى بِخِلَافِ مَا لَوْ حَنِثَ فِي الْكُلِّ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَلَيْسَ لِقِنٍّ أَنْ يُكَفِّرَ بِغَيْرِ صَوْمٍ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ يُكَفِّرُ مِنْهُ ‏(‏وَلَا لِسَيِّدٍ مَنْعُهُ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مِنْ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ بِإِذْنِهِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ أَضَرَّ بِهِ الصَّوْمُ أَوْ لَا ‏(‏وَلَا‏)‏ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ ‏(‏مِنْ‏)‏ صَوْمِ ‏(‏نَذْرٍ‏)‏ لِوُجُوبِهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ ‏(‏وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ‏)‏ إذَا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ ‏(‏كَحُرٍّ‏)‏ كَامِلِ الْحُرِّيَّةِ مَعَ قُدْرَةٍ أَوْ عَجْزٍ‏.‏

‏(‏وَيُكَفِّرُ كَافِرٌ‏)‏ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ ‏(‏وَلَوْ مُرْتَدًّا بِغَيْرِ صَوْمٍ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَيُتَصَوَّرُ عِتْقُهُ لِلْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ ‏"‏ فَيَفْعَلُ أَوْ يَكُونُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِنَحْوِ إرْثٍ‏.‏

بَابُ‏:‏ جَامِعِ الْإِيمَانِ

أَيْ‏:‏ مَسَائِلِهَا ‏(‏وَيُرْجَعُ فِيهَا‏)‏ أَيْ الْأَيْمَانِ ‏(‏إلَى نِيَّةِ حَالِفٍ‏)‏ فَهِيَ مَبْنَاهَا ابْتِدَاءً ‏(‏لَيْسَ بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْيَمِينِ أَوْ النِّيَّةِ ‏(‏ظَالِمًا‏)‏ نَصًّا مَظْلُومًا كَانَ أَوْ لَا وَأَمَّا الظَّالِمُ الَّذِي يَسْتَحْلِفُهُ حَاكِمٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُصَدِّقُهُ صَاحِبُهَا وَتَقَدَّمَ ‏(‏إذَا احْتَمَلَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ النِّيَّةَ ‏(‏لَفْظُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْحَالِفِ ‏(‏كَنِيَّتِهِ بِالسَّقْفِ وَالْبِنَاءِ السَّمَاءَ وَ‏)‏ كَنِيَّتِهِ ‏(‏بِالْفِرَاشِ وَ‏)‏ بِ ‏(‏الْبِسَاطِ الْأَرْضَ وَ‏)‏ كَنِيَّتِهِ ‏(‏بِاللِّبَاسِ اللَّيْلَ‏)‏ وَبِالْأُخُوَّةِ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَمَا ذَكَرْت فُلَانًا أَيْ قَطَعْت ذَكَرَهُ وَمَا رَأَيْته أَيْ‏:‏ ضَرَبْت رِئَتَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَنِيَّتِهِ ‏(‏بِنِسَائِي طَوَالِقُ أَقَارِبَهُ النِّسَاءَ وَ‏)‏ كَنِيَّتِهِ ‏(‏بِجِوَارِي أَحْرَارٌ سُفُنَهُ‏)‏ وَبِقَوْلِهِ مَا كَاتَبْت فُلَانًا مُكَاتَبَةَ الرَّقِيقِ وَبِمَا عَرَفْته مَا جَعَلْته عَرِيفًا وَبِمَا أَعْلَمْته أَيْ جَعَلْته أَعْلَمَا أَيْ‏:‏ شَقَقْت شَفَتَهُ وَبِمَا سَأَلْتُهُ حَاجَةً أَيْ‏:‏ شَجَرَةً صَغِيرَةً وَبِمَا أَكَلْت لَهُ دَجَاجَةً الْكُبَّةَ مِنْ الْغَزْلِ وَبِالْفَرُّوجَةِ الدِّرَاعَةَ وَبِالْفَرَاشِ صِغَارَ الْإِبِلِ وَالْحَصْرِ الْحَبْسَ وَبِالْبَارِيَةِ السِّكِّينَ يَبْرِي بِهَا وَنَحْرَهُ ‏(‏وَيُقْبَلُ حُكْمًا‏)‏ دَعْوَى إرَادَةِ مَا ذَكَرَهُ ‏(‏مَعَ قُرْبِ احْتِمَالِ‏)‏ مَنْوِيِّهِ ‏(‏مِنْ ظَاهِرِ‏)‏ لَفْظِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَعَ ‏(‏تَوَسُّطِهِ‏)‏ أَيْ الِاحْتِمَالِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا وَلَا بَعِيدًا ‏(‏فَيُقَدِّمُ‏)‏ مَا نَوَاهُ ‏(‏عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ وَيَسُوغُ لُغَةً التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْهُ فَانْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَيْهِ وَالْعَامُّ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ‏}‏ فَالنَّاسُ الْأَوَّلُ أُرِيدَ بِهِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ‏.‏

وَالنَّاسُ الثَّانِي أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ وَكَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا‏}‏ وَلَمْ تُدَمِّرْ السَّمَاءَ وَلَا الْأَرْضَ وَلَا‏.‏

مَسَاكِنَهُمْ وَالْخَاصُّ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ‏}‏ ‏{‏لَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا‏}‏ ‏{‏فَإِذَنْ لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا‏}‏ وَالْقِطْمِيرُ لُفَافَةُ النَّوَاةِ وَالْفَتِيلُ مَا فِي شِقِّهَا وَالنَّقِيرُ النَّقْرَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِهَا وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ بَلْ كُلَّ شَيْءٍ وَحَيْثُ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ وَجَبَ صَرْفُ الْيَمِينِ إلَيْهِ بِالنِّيَّةِ لِحَدِيثِ ‏{‏إنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى‏}‏ وَلِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ يُحْمَلُ عَلَى مَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَتِهِ بِهِ فَكَذَا كَلَامُ غَيْرِهِ وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ أَصْلًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَقَالَ أَرَدْت لَا أَدْخُلُ بَيْتًا فَلَا أَثَرَ لَهُ لِأَنَّهَا نِيَّةٌ مُجَرَّدَةٌ لَا يَحْتَمِلُهَا لَفْظُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَاهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَإِنْ بَعُدَ الِاحْتِمَالُ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى إرَادَتِهِ حُكْمًا وَيَدِينُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّأْوِيلِ‏.‏

‏(‏وَيَجُوزُ التَّعْرِيضُ فِي مُخَاطَبَةِ لِغَيْرِ ظَالِمٍ‏)‏ وَلَوْ ‏(‏بِلَا حَاجَةٍ‏)‏ كَمَنْ سُئِلَ عَنْ شَخْصٍ فَقَالَ مَا هُوَ هُنَا مُشِيرًا إلَى نَحْوِ كَفِّهِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَنْوِ‏)‏ حَالِفٌ ‏(‏شَيْئًا فَإِلَى سَبَبِ يَمِينٍ وَمَا هَيَّجَهَا‏)‏ لِدَلَالَتِهَا عَلَى النِّيَّةِ‏.‏

‏(‏فَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ زَيْدًا‏)‏ حَقَّهُ ‏(‏غَدًا فَقَضَاهُ قَبْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ إذْ قَصَدَ عَدَمَ تَجَاوُزِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْغَدِ ‏(‏أَوْ اقْتِضَاءَ السَّبَبِ‏)‏ لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى النِّيَّةِ ثُمَّ السَّبَبِ فَحَيْثُ نَوَى الْقَضَاءَ قَبْلَ خُرُوجِ الْغَدِ وَدَلَّ السَّبَبُ عَلَيْهِ تَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِهِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَوْ حَلَفَ عَلَى ‏(‏أَكْلِ شَيْءٍ وَبَيْعِهِ وَفِعْلِهِ غَدًا‏)‏ فَإِنْ قَصَدَ عَدَمَ تَجَاوُزِهِ أَوْ اقْتِضَاءِ السَّبَبِ فَفَعَلَهُ قَبْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ لِتَرْكِهِ فِعْلَ مَا تَتَنَاوَلُهُ يَمِينُهُ لَفْظًا مِنْ عَدَمِ صَارِفٍ عَنْهُ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ سَبَبٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ شَعْبَانَ فَصَامَ رَجَبًا ‏(‏وَمَنْ حَلَفَ لَأَقْضِيَنه‏)‏ حَقَّهُ غَدًا ‏(‏أَوْ لَأَقْضِيَنَّهُ غَدًا أَوْ قَصَدَ مَطْلَهُ فَقَضَاهُ قَبْلَهُ حَنِثَ‏)‏ لِفِعْلِهِ خِلَافَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَفْظًا وَنِيَّةً‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ عَنْ شَيْءٍ ‏(‏لَا يَبِيعُهُ إلَّا بِمِائَةٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ‏)‏ مِنْهَا فَلَا يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَبِعْهُ أَوْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا لِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَوْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَبِيعُهُ بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ مِائَةٍ ‏(‏حَنِثَ‏)‏ بِبَيْعِهِ ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمِائَةِ ‏(‏وَبِأَقَلَّ‏)‏ مِنْهَا لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فِي هَذَا بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ بِمِائَةٍ فَبَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْهَا وَلِأَنَّهُ تَنْبِيهٌ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ بَيْعِهِ بِدُونِ الْمِائَةِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَنْقُصُ هَذَا الثَّوْبُ عَنْ مِائَةٍ فَقَالَ أَخَذْته بِالْمِائَةِ لَكِنْ هَبْ لِي كَذَا فَقَالَ أَحْمَدُ هَذَا حِيلَةٌ قِيلَ لَهُ فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ أَبِيعُك بِكَذَا وَهَبْ لِفُلَانٍ شَيْئًا فَقَالَ هَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَكَرِهَهُ وَلَوْ حَلَفَ لَاشْتَرَيْته بِمِائَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِهَا أَوْ بِأَكْثَرَ حَنِثَ لَا بِأَقَلَّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَدْخُلُ دَارًا فَقَالَ نَوَيْت الْيَوْمَ قُبِلَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏حُكْمًا‏)‏ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَلَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ ‏(‏فَلَا يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ‏)‏ لِلدَّارِ ‏(‏فِي غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي نَوَاهُ لِتَعَلُّقِ قَصْدِهِ بِمَا نَوَاهُ فَاخْتَصَّ الْحِنْثُ بِهِ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا أَوْ لَحْمًا وَنَحْوَهُ وَنَوَى مُعَيَّنًا أَوْ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهِ ‏(‏وَمَنْ دُعِيَ لِغَدَاءٍ فَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ‏)‏ إنْ تَغَدَّى ‏(‏بِغَدَاءِ غَيْرِهِ إنْ قَصَدَهُ‏)‏‏.‏

قُلْت أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ سَبَبُ الْيَمِينِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَشْرَبُ لَهُ‏)‏ أَيْ لِفُلَانٍ ‏(‏الْمَاءَ مِنْ عَطَشٍ وَنِيَّتُهُ أَوْ السَّبَبُ قَطْعُ مِنَّتِهِ حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزِهِ وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ وَكُلِّ مَا فِيهِ مِنَّةٌ‏)‏ لِأَنَّهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا‏}‏ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَحْنَثُ ‏(‏بِأَقَلَّ مِنْهُ كَقُعُودِهِ فِي ضَوْءِ نَارِهِ‏)‏ وَظِلِّ حَائِطِهِ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَلَا نِيَّةَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَلَفَ عَلَى نَحْوِ امْرَأَتِهِ ‏(‏لَا تَخْرُجُ لِلتَّعْزِيَةِ وَلَا لِلتَّهْنِئَةِ وَنَوَى أَنْ لَا تَخْرُجَ أَصْلًا فَخَرَجَتْ لِغَيْرِهِمَا‏)‏ حَنِثَ لِلْمُخَالَفَةِ لُغَةً ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ ‏(‏لَا يَلْبِسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا قَطْعًا لِلْمِنَّةِ فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا‏)‏ وَلَبِسَهُ ‏(‏أَوْ انْتَفَعَ بِهِ‏)‏ أَيْ بِثَمَنِهِ ‏(‏حَنِثَ‏)‏ لِأَنَّهُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ تَلْحَقُ فِيهِ الْمِنَّةُ وَكَذَا لَوْ امْتَنَّ عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَحَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ قَطْعًا لِلْمِنَّةِ بِهِ فَانْتَفَعَ بِهِ فِي غَيْرِ اللُّبْسِ حَنِثَ و‏(‏لَا‏)‏ حِنْثَ ‏(‏إنْ انْتَفَعَ بِغَيْرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الثَّوْبِ مِنْ مَالِهَا غَيْرِ الْغَزْلِ وَثَمَنِهِ فَلَا حِنْثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَمْ تَتَنَاوَلُهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَلَفَ ‏(‏عَلَى شَيْءٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَانْتَفَعَ بِهِ هُوَ‏)‏ أَيْ الْحَالِفُ ‏(‏أَوْ‏)‏ انْتَفَعَ بِهِ ‏(‏وَاحِدٌ مِمَّنْ فِي كَنَفِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ حِيَازَتِهِ وَتَحْتَ نَفَقَتِهِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ وَلَدٍ صَغِيرٍ ‏(‏حَنِثَ‏)‏ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ ‏(‏لَا يَأْوِي مَعَهَا بِدَارٍ سَمَّاهَا يَنْوِي جَفَاءَهَا وَلَا سَبَبَ‏)‏ يَخُصُّ الدَّارَ فَآوَى مَعَهَا فِي ‏(‏غَيْرِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ غَيْرِ الدَّارِ الَّتِي سَمَّاهَا ‏(‏حَنِثَ‏)‏ لِمُخَالَفَتِهِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ جَفَائِهَا إلْغَاءً لِذِكْرِ الدَّارِ مَعَ عَدَمِ السَّبَبِ لِدَلَالَةِ نِيَّةِ الْجَفَاءِ عَلَيْهِ كَانَ حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَهَا ‏{‏كَقَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ وَاقَعْتُ أَهْلِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَعْتِقْ رَقَبَةً‏}‏ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ ذِكْرُ أَهْلِهِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ حُذِفَ مِنْ السَّبَبِ وَجُعِلَ السَّبَبُ الْوِقَاعَ سَوَاءٌ كَانَ لِأَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ لِلدَّارِ أَثَرٌ فِي يَمِينِهِ كَكَرَاهَتِهِ سُكْنَاهَا أَوْ مُخَاصَمَتِهِ أَهْلَهَا لَهُ، أَوْ امْتَنَّ عَلَيْهِ بِهَا لَمْ يَحْنَثْ إنْ آوَى مَعَهَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ مَا عَلَيْهِ حَلَفَ وَإِنْ عَدِمَ السَّبَبَ وَالنِّيَّةَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْإِيوَاءِ مَعَهَا فِي تِلْكَ الدَّارِ بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ مُقْتَضَى لَفْظِهِ وَلَا صَارِفَ لَهُ عَنْهُ ‏(‏وَأَقَلُّ الْإِيوَاءِ سَاعَةٌ‏)‏ أَيْ‏:‏ لَحْظَةٌ، فَمَتَى حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي دَارٍ فَدَخَلَهَا مَعَهَا حَنِثَ قَلِيلًا كَانَ لُبْثُهُمَا أَوْ كَثِيرًا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ فَتَى مُوسَى؛ ‏{‏أَرَأَيْتَ إذْ أَوَيْنَا إلَى الصَّخْرَةِ‏}‏ يُقَالُ آوَيْت أَنَا، وَآوَيْت غَيْرِي قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إلَى الْكَهْفِ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَآوَيْنَاهُمَا إلَى رَبْوَةٍ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَوْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي هَذَا الْعِيدِ حَنِثَ بِدُخُولِهِ مَعَهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ لَا‏)‏ بِدُخُولِهِ ‏(‏بَعْدَهَا‏)‏ لِانْقِضَائِهَا بِصَلَاتِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ أَنْ يُكَبِّرُوا حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ عِيدِهِمْ أَيْ‏:‏ مِنْ صَلَاتِهِمْ ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏)‏ وَاَللَّهِ لَا آوَيْت مَعَهَا ‏(‏أَيَّامَ الْعِيدِ أُخِذَ‏)‏ الْحَالِفُ ‏(‏بِالْعُرْفِ‏)‏ فَيَحْنَثُ بِدُخُولِهِ مَعَهَا فِي يَوْمٍ يُعَدُّ مِنْ أَيَّامِ الْعِيدِ‏.‏

عُرْفًا فِي كُلِّ بَلَدٍ بِحَسَبِهِ لَا بَعْدَ ذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ ‏(‏لَا عُدْت رَأَيْتُك تَدْخُلِينَهَا‏)‏ أَيْ دَارَ كَذَا ‏(‏يَنْوِي مَنْعَهَا‏)‏ مِنْ دُخُولِهَا ‏(‏فَدَخَلَتْهَا حَنِثَ وَلَوْ لَمْ يَرَهَا‏)‏ دَاخِلَتَهَا إلْغَاءً لِقَوْلِ رَأَيْتُك لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ لَهَا‏:‏ وَاَللَّهِ ‏(‏لَا تَرَكْت هَذَا‏)‏ الصَّبِيَّ وَنَحْوَهُ ‏(‏يَخْرُجُ فَأَفَلَتْ فَخَرَجَ أَوْ قَامَتْ تُصَلِّي‏)‏ فَخَرَجَ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَامَتْ ‏(‏لِحَاجَةٍ فَخَرَجَ فَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَخْرُجَ حَنِثَ‏)‏ بِخُرُوجِهِ إلْغَاءً لِقَوْلِهِ‏:‏ تَرَكْت لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا تَدَعَهُ يَخْرُجُ فَلَا‏)‏ حِنْثَ لِعَدَمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَتْرُكْهُ‏.‏

قُلْت وَالسَّبَبُ كَالنِّيَّةِ فِيهِمَا وَإِنْ عَدِمَتْ النِّيَّةَ وَالسَّبَبَ فَلَا حِنْثَ أَيْضًا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏العبرة في اليمين‏]‏

وَالْعِبْرَةُ فِي الْيَمِينِ ‏(‏بِخُصُوصِ السَّبَبِ‏)‏ لِدَلَالَتِهِ عَلَى النِّيَّةِ ‏(‏لَا بِعُمُومِ اللَّفْظِ‏)‏ فَيَتَقَدَّمُ خُصُوصُ السَّبَبِ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏فَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَلَدًا الظُّلْمُ‏)‏ مَوْجُودٌ ‏(‏فِيهَا فَزَالَ‏)‏ الظُّلْمُ مِنْهَا وَدَخَلَهَا بَعْدَ زَوَالٍ لَمْ يَحْنَثْ ‏(‏أَوْ حَلَفَ لِوَالٍ‏)‏ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ ‏(‏لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ‏)‏ فَعُزِلَ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ لَهُ ‏(‏لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَنَحْوِهِ‏)‏ فَلَا يُسَافِرُ إلَّا بِإِذْنِهِ ‏(‏فَعُزِلَ أَوْ‏)‏ حَلَفَ عَلَى ‏(‏زَوْجَتِهِ‏)‏ لَا تَفْعَلْ كَذَا إلَّا بِإِذْنِهِ ‏(‏فَطَلَّقَهَا أَوْ‏)‏ حَلَفَ ‏(‏عَلَى رَقِيقِهِ‏)‏ لَا يَفْعَلْ كَذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ ‏(‏فَأَعْتَقَهُ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَأَنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ عَلَى أَجِيرِهِ لَا يَفْعَلُ كَذَا إلَّا بِإِذْنِهِ فَانْقَضَتْ إجَارَتُهُ ‏(‏لَمْ يَحْنَثْ‏)‏ خَالَفَ ‏(‏بِذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالْمُخَالَفَةِ لَمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ ‏(‏بَعْدَ‏)‏ زَوَالِ الظُّلْمِ أَوْ الْعَزْلِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ وَنَحْوِهِ تَقْدِيمًا لِلسَّبَبِ عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ ‏(‏وَلَوْ لَمْ يُرِدْ‏)‏ حَالِفٌ ‏(‏مَا دَامَ‏)‏ الْأَمْرُ ‏(‏كَذَلِكَ‏)‏ لِأَنَّ الْحَالَ يَصْرِفُ الْيَمِينَ إلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَالسَّبَبُ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ فِي الْخُصُوصِ كَدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ فِي الْعُمُومِ، وَلَوْ نَوَى الْخُصُوصَ لَاخْتَصَّتْ بِيَمِينِهِ‏.‏

فَكَذَا إذَا وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا‏)‏ إلَّا إذَا وُجِدَ مَحْلُوفٌ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ تُرِكَ مَحْلُوفٌ عَلَى فِعْلِهِ ‏(‏حَالَ وُجُودِ صِفَةٍ عَادَتْ‏)‏ بِأَنْ عَادَ الظُّلْمُ فَدَخَلَ وَهُوَ مَوْجُودٌ أَوْ عَادَ الْوَالِي لِوِلَايَتِهِ فَرَأَى مُنْكَرًا وَلَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ، أَوْ عَادَتْ الْمَرْأَةُ لِنِكَاحِهِ أَوْ الرَّقِيقُ لِمُلْكِهِ أَوْ الْأَجِيرُ وَفَعَلَ مَا كَانَ حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ فَيَحْنَثُ لِعَوْدِ الصِّفَةِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ ‏(‏فَلَوْ رَأَى‏)‏ مَنْ حَلَفَ لِوَالٍ لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ ‏(‏الْمُنْكَرَ فِي وِلَايَتِهِ وَأَمْكَنَ رَفْعُهُ‏)‏ الْمُنْكَرَ إلَيْهِ ‏(‏وَلَمْ يَرْفَعْهُ حَتَّى عُزِلَ حَنِثَ بِعَزْلِهِ‏)‏‏.‏

لِلْيَأْسِ مِنْ رَفْعِهِ إلَيْهِ ظَاهِرًا ‏(‏وَلَوْ رَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَ‏)‏ عَزْلِهِ لِفَوَاتِ رَفْعِهِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ مَاتَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَفْعُهُ إلَيْهِ لِعَدَمِ مُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُهُ لَمْ يَحْنَثْ ‏(‏وَلَوْ مَاتَ‏)‏ الْوَالِي ‏(‏قَبْلَ إمْكَانِ رَفْعِهِ إلَيْهِ حَنِثَ‏)‏ لِفَوَاتِ الرَّفْعِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ غَدًا فَمَاتَ الْيَوْمَ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْوَالِي إذَنْ‏)‏ بِأَنْ حَلَفَ لَا أَرَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعْته لِذِي الْوِلَايَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ مَنْ كَانَ وَالِيًا حِينَ الْحَلِفِ لِانْصِرَافِهِ إلَى الْحَبْسِ، فَإِنْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ بَرَّ بِرَفْعِهِ لِمَنْ يَلِي بَعْدَهُ ‏(‏وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ‏)‏ حَالِفٌ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُنْكِرِ ‏(‏إلَّا بَعْدَ عِلْمِ الْوَالِي‏)‏ بِالْمُنْكَرِ سَوَاءٌ عَيَّنَهُ فِي حَلِفِهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ ‏(‏فَاتَ الْبِرُّ‏)‏ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى إرَادَةِ إعْلَامِهِ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَهُ ‏(‏وَلَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ رَآهُ‏)‏ الْحَالِفُ ‏(‏مَعَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْوَالِي فَيَفُوتُ الْبِرُّ وَلَا حِنْثَ لِأَنَّ الْحَالِفَ مَعْذُورٌ بِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الرَّفْعِ كَالْمُكْرَهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَلَفَ ‏(‏لِلِّصِّ لَا يُخْبِرُ بِهِ أَوْ يَغْمِزُ عَلَيْهِ فَسُئِلَ عَمَّنْ هُوَ مَعَهُمْ فَبَرَّأَهُمْ دُونَهُ لِيُنَبِّهَ عَلَيْهِ حَنِثَ‏)‏ لِقِيَامِ ذَلِكَ مَقَامَ الْإِخْبَارِ بِهِ أَوْ الْغَمْزِ عَلَيْهِ ‏(‏إنْ لَمْ يَنْوِ‏)‏ حَالِفٌ ‏(‏حَقِيقَةَ النُّطْقِ أَوْ الْغَمْزِ‏)‏ فَإِنْ نَوَاهُمَا فَلَا حِنْثَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏لَيَتَزَوَّجَنَّ يَبَرُّ بِعَقْدٍ‏)‏ نِكَاحٍ ‏(‏صَحِيحٍ‏)‏ لَا فَاسِدٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَحِلُّ بِهِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَلَفَ ‏(‏لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ عَلَى زَوْجَتِهِ ‏(‏وَلَا نِيَّةَ وَلَا سَبَبَ‏)‏ هَيَّجَ يَمِينَهُ ‏(‏يَبَرُّ بِدُخُولِهِ بِ‏)‏ زَوْجَتِهِ ‏(‏نَظِيرَتِهَا‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْيَمِينِ قَصْدُ إغَارَتِهَا بِذَلِكَ وَالتَّضْيِيقُ عَلَيْهَا فِي حُقُوقِهَا مِنْ قَسْمٍ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ مَنْ يُسَاوِيهَا فِي حَقِّ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ إلَّا بِالدُّخُولِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْيَمِينِ بِدُونِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ بِدُخُولِهِ ‏(‏بِمَنْ تَغُمُّهَا أَوْ تَتَأَذَّى بِهَا‏)‏ ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَظِيرَتُهَا وَاعْتُبِرَ فِي الرَّوْضَةِ حَتَّى فِي الْجِهَازِ، وَلَمْ يَذْكُرْ دُخُولًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ ‏(‏لَيُطَلِّقَنَّ ضَرَّتَهَا فَطَلَّقَهَا‏)‏ طَلَاقًا ‏(‏رَجْعِيًّا بَرَّ‏)‏ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا ‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يُكَلِّمُهَا هَجْرًا فَوَطِئَهَا حَنِثَ‏)‏ لِزَوَالِ الْهَجْرِ بِهِ وَيَزُولُ أَيْضًا بِالسَّلَامِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَأْكُلُ تَمْرًا لِحَلَاوَتِهِ حَنِثَ بِكُلِّ حُلْوٍ بِخِلَافِ أَعْتَقْتُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ أَسْوَدُ أَوْ لِسَوَادِهِ فَيَعْتِقُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ السَّوَادُ لَا تَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَنْ يَعْتِقُ فَقَدْ يَكُونُ الْعَتِيقُ أَبْيَضَ بِخِلَافِ الْعِلَّةِ فِي التَّمْرِ وَهِيَ الْحَلَاوَةُ لِاطِّرَادِهَا فِي كُلِّ حُلْوٍ يُؤْكَلُ وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو خَطَّابٍ لِأَنَّ عِلَّتَهُ يَجُوزُ أَنْ تُنْتَقَضَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ لَا يَطَّرِدُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ لِوَكِيلِهِ ‏(‏أَعْتِقْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ عَبْدِي فُلَانًا ‏(‏لِأَنَّهُ أَسْوَدُ أَوْ لِسَوَادِهِ فَلَا يَتَجَاوَزُهُ‏)‏ بِالْعِتْقِ لِجَوَازِ الْمُنَاقَضَةِ عَلَيْهِ وَالْبِذَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ قَالَ‏)‏ لِشَخْصٍ ‏(‏إذَا أَمَرْتُك بِشَيْءٍ لِعِلَّةٍ فَقِسْ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ مَالِي وَجَدْت فِيهِ تِلْكَ الْعِلَّةَ ثُمَّ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدِي فُلَانًا؛ لِأَنَّهُ أَسْوَدُ صَحَّ أَنْ يُعْتِقَ كُلَّ عَبْدٍ لَهُ أَسْوَدَ‏)‏ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ، لِأَنَّهُ تَعَبَّدَنَا بِالْقِيَاسِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَلَفَ لِشَخْصٍ ‏(‏لَا يُعْطِي فُلَانًا إبْرَةٍ يُرِيدُ عَدَمَ تَعَدِّيهِ فَأَعْطَاهُ سِكِّينًا حَنِثَ‏)‏ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَنَعَهُ مِنْ إعْطَائِهِ مَا يَتَعَدَّى بِهِ، وَقَدْ وُجِدَ بِإِعْطَاءِ السِّكِّينِ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا لِشُرْبِهِ الْخَمْرَ فَكَلَّمَهُ وَقَدْ تَرَكَهُ‏)‏ أَيْ شُرْبَ الْخَمْرِ ‏(‏لَمْ يَحْنَثْ‏)‏ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا دَامَ يَشْرَبُهُ وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ ‏(‏وَلَا يُقْبَلُ تَعْلِيلٌ بِكَذِبٍ‏)‏ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ ‏(‏فَمَنْ قَالَ لِقِنِّهِ وَهُوَ‏)‏ أَيْ قِنُّهُ ‏(‏أَكْبَرُ مِنْهُ أَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّك ابْنِي وَنَحْوَهُ‏)‏ كَأَنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّك أَبِي ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ ‏(‏لِامْرَأَتِهِ‏)‏ وَهِيَ أَصْغَرُ مِنْهُ‏:‏ أَنْتِ ‏(‏طَالِقٌ لِأَنَّك جَدَّتِي وَقَعَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ لِصُدُورِهِمَا مِنْ أَهْلِهِمَا فِي مَحَلِّهِمَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏الجهل بالنية والسبب في اليمين‏]‏

فَإِنْ عَدِمَ ذَلِكَ أَيْ‏:‏ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ ‏(‏رَجَعَ إلَى التَّعَيُّنِ‏)‏ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ دَلَالَةِ الِاسْمِ عَلَى مُسَمَّاهُ لِنَفْيِهِ الْإِبْهَامَ بِالْكُلِّيَّةِ ‏(‏فَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ فَدَخَلَهَا وَقَدْ بَاعَهَا أَوْ‏)‏ دَخَلَهَا ‏(‏وَهِيَ فَضَاءٌ أَوْ‏)‏ وَهِيَ ‏(‏مَسْجِدٌ أَوْ‏)‏ وَهِيَ ‏(‏حَمَّامٌ أَوْ لَا لَبِسْت هَذَا الْقَمِيصَ فَلَبِسَهُ وَهُوَ رِدَاءٌ أَوْ‏)‏ لَبِسَهُ وَهُوَ ‏(‏عِمَامَةٌ أَوْ‏)‏ وَهُوَ ‏(‏سَرَاوِيلُ‏)‏ حَنِثَ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ ‏(‏لَا كَلَّمْت هَذَا الصَّبِيَّ فَصَارَ شَيْخًا أَوْ‏)‏ حَلَفَ لَا كَلَّمْت ‏(‏امْرَأَةَ فُلَانٍ هَذِهِ أَوْ‏)‏ حَلَفَ لَا كَلَّمْت ‏(‏عَبْدَ‏)‏ أَيْ‏:‏ عَبْدَهُ فُلَانٌ هَذَا ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ لَا كَلَّمْت ‏(‏صَدِيقَهُ هَذَا فَزَالَ ذَلِكَ‏)‏ بِأَنْ بَانَتْ الزَّوْجَةُ وَزَالَ مِلْكُهُ لِلْعَبْدِ وَصَدَاقَتُهُ لِلْمُعَيَّنِ ‏(‏ثُمَّ كَلَّمَهُمْ‏)‏ حَنِثَ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ ‏(‏لَا أَكَلْت لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ‏)‏ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ ‏(‏فَصَارَ كَبْشًا أَوْ‏)‏ حَلَفَ لَا أَكَلْت ‏(‏هَذَا الرُّطَبَ فَصَارَ تَمْرًا أَوْ‏)‏ صَارَ ‏(‏دِبْسًا أَوْ خَلًّا أَوْ‏)‏ حَلَفَ لَا أَكَلْت ‏(‏هَذَا اللَّبَنَ فَصَارَ جُبْنًا وَنَحْوُهُ‏)‏ بِأَنْ صَارَ أَقِطًا ‏(‏ثُمَّ أَكَلَهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَلَا سَبَبَ‏)‏ يَخُصُّ الْحَالَةَ الْأُولَى ‏(‏حَنِثَ‏)‏ لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَحَلِفِهِ لَا لَبِسْت هَذَا الْغَزْلَ فَصَارَ ثَوْبًا ‏(‏كَقَوْلِهِ‏)‏ وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت ‏(‏دَارَ فُلَانٍ فَقَطْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَكَقَوْلِ لَا أَكَلْت هَذَا ‏(‏التَّمْرَ الْحَدِيثِ فَعَتُقَ أَوْ‏)‏ لَا كَلَّمْت ‏(‏هَذَا الرَّجُلَ الصَّحِيحَ فَمَرِضَ‏:‏ وَكَالسَّفِينَةِ‏)‏ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا ‏(‏فَتُنْقَضُ ثُمَّ تُعَادُ‏)‏ وَيَدْخُلُهَا ‏(‏وَكَالْبَيْضَةِ‏)‏ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهَا ‏(‏فَتَصِيرُ فَرْخًا‏)‏ فَيَأْكُلُهُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا كَلَّمْت صَاحِبَ الطَّيْلَسَانِ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ بَيْعِهِ ‏(‏أَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ أَوْ التُّفَّاحَةِ فَعَمِلَ مِنْهَا‏)‏ أَيْ التُّفَّاحَةَ ‏(‏شَرَابًا أَوْ‏)‏ عَمِلَ بِالْبَيْضَةِ ‏(‏نَاطِفًا فَأَكَلَهُ بَرَّ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّعْيِينَ أَبْلَغُ مِنْ دَلَالَةِ الِاسْمِ عَلَى الْمُسَمَّى ‏(‏وَكَهَاتَيْنِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْبَيْضَةِ وَالتُّفَّاحَةِ ‏(‏نَحْوُهُمَا‏)‏ فَمَنْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ فَعُمِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا وَدَخَلَهَا بَرَّ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏الجهل بالنية والسبب والتعيين في اليمين‏]‏

فَإِنْ عَدِمَ ذَلِكَ أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ وَالتَّعْيِينِ ‏(‏رَجَعَ‏)‏ فِي الْيَمِينِ ‏(‏إلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ لِأَنَّهُ مُقْتَضَاهُ‏)‏ وَلَا صَارِفَ عَنْهُ ‏(‏وَيُقَدَّمُ‏)‏ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَسْمَاءُ ‏(‏شَرْعِيٌّ فَعُرْفِيٌّ فَلُغَوِيٌّ‏)‏ فَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مُسَمًّى وَاحِدٌ كَسَمَاءٍ وَأَرْضٍ وَرَجُلٍ وَإِنْسَانٍ وَنَحْوِهَا انْصَرَفَ الْيَمِينُ إلَى مُسَمَّاهُ بِلَا خِلَافٍ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ الِاسْمُ ‏(‏الشَّرْعِيُّ مَا لَهُ مَوْضُوعٌ شَرْعًا وَمَوْضُوعٌ لُغَةً كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ‏)‏ كَالْعُمْرَةِ وَالْوُضُوءِ وَالْبَيْعِ ‏(‏فَالْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ‏)‏ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ تَرْكِهِ ‏(‏تَنْصَرِفُ إلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ‏)‏ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لِلْفَهْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلِذَلِكَ حُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِعِ حَيْثُ لَا صَارِفَ ‏(‏وَيَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مِنْ الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ بِخِلَافِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ شَرْعًا ‏(‏فَمَنْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ أَوْ‏)‏ حَلَفَ لَا ‏(‏يَبِيعُ أَوْ‏)‏ حَلَفَ لَا ‏(‏يَشْتَرِي وَالشَّرِكَةُ‏)‏ شِرَاءٌ ‏(‏وَالتَّوْلِيَةُ‏)‏ شِرَاءٌ ‏(‏وَالسَّلَمُ‏)‏ شِرَاءٌ ‏(‏وَالصُّلْحُ عَلَى مَالِ شِرَاءٍ فَعَقَدَ عَقْدًا فَاسِدًا‏)‏ مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ شِرَاءٍ ‏(‏لَمْ يَحْنَثْ‏)‏ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ‏}‏ وَإِنَّمَا أَحَلَّ الصَّحِيحَ مِنْهُ‏.‏

وَكَذَا النِّكَاحُ وَغَيْرُهُ ‏(‏لَا إنْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ فَحَجَّ حَجًّا فَاسِدًا‏)‏ فَيَحْنَثُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَعْتَمِرُ فَاعْتَمَرَ عُمْرَةً فَاسِدَةً حَنِثَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لِوُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهِمَا وَكَوْنُهُ كَالصَّحِيحِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيَلْزَمُ مِنْ فِدْيَةٍ وَيَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي فَفَعَلَ وَلَوْ بِشَرْطِ خِيَارٍ لِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ كَاللَّازِمِ ‏(‏وَلَوْ قَيَّدَ‏)‏ حَالِفٌ ‏(‏يَمِينَهُ بِمُمْتَنِعِ الصِّحَّةِ كَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ أَوْ‏)‏ لَا‏.‏

يَبِيعُ ‏(‏الْخَمْرَ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ سَرَقْت مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتنِيهِ‏)‏ فَأَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ لَهَا ‏(‏إنْ طَلَّقْت فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ‏)‏ أَيْ‏:‏ سَرَقَتْ مِنْهُ شَيْئًا فَبَاعَتْهُ إيَّاهُ ‏(‏أَوْ فَعَلَ‏)‏ هُوَ بِأَنْ بَاعَ الْخَمْرَ أَوْ الْحُرَّ أَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏حَنِثَ بِصُورَةِ ذَلِكَ‏)‏ لِتَعَذُّرِ الصَّحِيحِ فَتَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى مَا كَانَ عَلَى صُورَتِهِ كَالْحَقِيقَةِ إذَا تَعَذَّرَتْ بِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى مَجَازِهِ وَكَمَا لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ مَا بَاعَ الْخَمْرَ أَوْ الْحُرَّ أَوْ طَلَّقَ الْأَجْنَبِيَّةَ ‏(‏وَمَنْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ أَوْ‏)‏ حَلَفَ ‏(‏لَا يَعْتَمِرُ حَنِثَ‏)‏ حَالِفٌ لَا يَحُجُّ ‏(‏بِإِحْرَامٍ بِهِ أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَحَنِثَ حَالِفٌ لَا يَعْتَمِرُ بِإِحْرَامٍ ‏(‏بِهَا‏)‏ لِأَنَّهُ يُسَمَّى حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَصُومُ‏)‏ حَنِثَ ‏(‏بِشُرُوعٍ صَحِيحٍ‏)‏ فِي الصَّوْمِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَلَوْ نَفْلًا بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ فَإِذَا صَامَ يَوْمًا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ حَنِثَ مُنْذُ شَرَعَ فَلَوْ كَانَ حَلِفُهُ بِطَلَاقٍ وَوَلَدَتْ بَعْدَهُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَ حَلِفُهُ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ وَمَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَرِثْهَا‏.‏

قُلْت فَإِنْ مَاتَ هُوَ أَوْ بَطَلَ الصَّوْمُ فَلَا حِنْثَ لِتَبَيُّنِ أَنْ لَا صَوْمَ فَإِنْ كَانَ حَالَ حَلِفِهِ لَا يَصُومُ أَوْ يَحُجُّ وَنَحْوِهِ صَائِمًا أَوْ حَاجًّا فَاسْتَدَامَهُ حَنِثَ كَمَا يَأْتِي خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يُصَلِّي‏)‏ حَنِثَ ‏(‏بِالتَّكْبِيرِ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ‏(‏وَلَوْ عَلَى جِنَازَةٍ‏)‏ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ و‏(‏لَا‏)‏ يَحْنَثُ ‏(‏مَنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ صَوْمًا حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا أَوْ‏)‏ حَلَفَ ‏(‏لَا يُصَلِّي صَلَاةً حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ وَهُوَ رَكْعَةٌ لِأَنَّهُ لِمَا قَالَ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً اُعْتُبِرَ فِعْلُ صَوْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ‏.‏

صَلَاةٍ كَذَلِكَ وَأَقَلُّهُمَا مَا ذُكِرَ ‏(‏كَ‏)‏ مَا لَوْ حَلَفَ ‏(‏لَيَفْعَلَنَّ‏)‏ كَذَا وَلَيَصُومَنَّ أَوْ لَيُصَلِّيَنَّ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ صَلَاةِ رَكْعَةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏لَيَبِيعَنَّ كَذَا فَبَاعَهُ بِعَرْضٍ أَوْ نَسِيئَةٍ بَرَّ‏)‏ لِأَنَّهُ بَيْعٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَهَبُ أَوْ‏)‏ حَلَفَ لَا ‏(‏يُهْدِي أَوْ‏)‏ حَلَفَ لَا ‏(‏يُوصِي أَوْ‏)‏ لَا ‏(‏يَتَصَدَّقُ أَوْ‏)‏ لَا ‏(‏يُعِيرُ حَنِثَ بِفِعْلِهِ‏)‏ أَيْ إيجَابِهِ لِذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا عِوَضَ فِيهَا فَمُسَمَّاهَا الْإِيجَابُ فَقَطْ وَأَمَّا الْقَبُولُ فَشَرْطٌ لِنَقْلِ الْمِلْكِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ السَّبَبِ وَيَشْهَدُ لِلْوَصِيَّةِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الْآيَةَ فَإِنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ الْإِيجَابُ دُونَ الْقَبُولِ وَالْهِبَةُ وَنَحْوُهَا فِي مَعْنَاهَا بِجَامِعِ عَدَمِ الْعِوَضِ و‏(‏لَا‏)‏ يَحْنَثُ ‏(‏إنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ‏)‏ فُلَانًا ‏(‏أَوْ‏)‏ لَا ‏(‏يُؤَجِّرُ‏)‏ فُلَانًا ‏(‏أَوْ‏)‏ لَا ‏(‏يُزَوِّجُ فُلَانًا حَتَّى يَقْبَلَ فُلَانٌ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْعًا وَلَا إجَارَةً وَلَا تَزْوِيجًا إلَّا بَعْدَ الْقَبُولِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَهَبُ زَيْدًا‏)‏ شَيْئًا ‏(‏فَأَهْدَى إلَيْهِ‏)‏ شَيْئًا ‏(‏أَوْ بَاعَهُ شَيْئًا وَحَابَاهُ‏)‏ فِيهِ ‏(‏أَوْ وَقَفَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ حَنِثَ‏)‏ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِبَةِ و‏(‏لَا‏)‏ يَحْنَثُ ‏(‏إنْ كَانَتْ‏)‏ الصَّدَقَةُ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ ‏(‏وَاجِبَةً‏)‏ كَالزَّكَاةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَتْ ‏(‏مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ ضَيَّفَهُ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ‏)‏ مِنْ ضِيَافَةٍ فَلَا حِنْثَ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُسَمَّى هِبَةً ‏(‏أَوْ أَبْرَأَهُ‏)‏ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا حِنْثَ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ ‏(‏أَوْ أَعَارَهُ أَوْ وَصَّى لَهُ‏)‏ فَلَا حِنْثَ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْهِبَةُ تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ فَهُمَا غَيْرَانِ ‏(‏أَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَوَهَبَهُ‏)‏ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْهِبَةِ وَلَا يَحْنَثُ حَالِفٌ عَلَى نَوْعٍ بِفِعْلِ نَوْعٍ آخَرَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمُ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ ‏(‏لَا يَتَصَدَّقُ فَأَطْعَمَ عِيَالَهُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى صَدَقَةً عُرْفًا وَإِطْلَاقُ اسْمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ كَالصَّدَقَةِ ‏(‏وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَهَبُ لَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ فُلَانٍ شَيْئًا ‏(‏بَرَّ بِالْإِيجَابِ‏)‏ لِلْهِبَةِ سَوَاءٌ قَبِلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ لَا ‏(‏كَيَمِينِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَهَبَنَّ لَهُ فَأَوْجَبَ لَهُ الْهِبَةَ فَإِنَّهُ يَبَرُّ مُطْلَقًا لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ وَالِاسْمُ الْعُرْفِيُّ

مَا اشْتَهَرَ مَجَازُهُ حَتَّى غَلَبَ عَلَى حَقِيقَتِهِ ‏(‏كَالرَّاوِيَةِ‏)‏ حَقِيقَةً فِي الْجَمَلِ يُسْتَسْقَى عَلَيْهِ وَعُرْفًا لِلْمَزَادَةِ ‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏الظَّعِينَةِ‏)‏ حَقِيقَةً النَّاقَةُ يَظْعَنُ عَلَيْهَا وَعُرْفًا الْمَرْأَةُ فِي الْهَوْدَجِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏الدَّابَّةِ‏)‏ حَقِيقَةً مَا دَبَّ وَدَرَجَ وَعُرْفًا الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ ‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏الْغَائِطِ‏)‏ حَقِيقَةً الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ وَعُرْفًا الْخَارِجُ الْمُسْتَقْذَرُ ‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏الْعَذِرَةِ‏)‏ حَقِيقَةً فِنَاءُ الدَّارِ وَعُرْفًا الْغَائِطُ ‏(‏وَنَحْوِهِ‏)‏ أَيْ مَا ذَكَرَ مِمَّا غَلَبَ مَجَازُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ كَالْعَيْشِ ‏(‏وَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ‏)‏ فِيهِ ‏(‏بِالْعُرْفِ دُونَ الْحَقِيقَةِ‏)‏ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَهْجُورَةً فَلَا يَعْرِفُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ ‏(‏فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عَيْشًا حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزٍ‏)‏ لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ وَالْعَيْشُ لُغَةً الْحَيَاةُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَطَأُ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ حَنِثَ بِجِمَاعِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا لِانْصِرَافِ اللَّفْظِ إلَيْهِ عُرْفًا وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ كَانَ مُولِيًا ‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَتَسَرَّى حَنِثَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ‏)‏ مُطْلَقًا لِأَنَّ التَّسَرِّيَ مَأْخُوذٌ مِنْ السِّرِّ وَهُوَ الْوَطْءُ قَالَ تَعَالَى ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏ وَقَالَ الشَّاعِرُ‏:‏ أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي كَبِرْتُ وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي وَلَا يُعْتَبَرُ الْإِنْزَالُ كَسَائِرِ أَحْكَامِ الْوَطْءِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَطَأُ دَارًا وَلَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ حَنِثَ بِدُخُولِهَا رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَحَافِيًا وَمُنْتَعِلًا‏)‏ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ أَنَّ الْقَصْدَ امْتِنَاعُهُ مِنْ دُخُولِهَا و‏(‏لَا‏)‏ يَحْنَثُ ‏(‏بِدُخُولِ مَقْبَرَةٍ‏)‏ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَارًا عُرْفًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَرْكَبُ أَوْ‏)‏ لَا ‏(‏يَدْخُلُ بَيْتًا حَنِثَ‏)‏ مَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ ‏(‏بِرُكُوبِ سَفِينَةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مَرْكُوبًا لِقَوْلِهِ‏.‏

تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا‏}‏، ‏{‏فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ حَنِثَ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا بِ ‏(‏دُخُولِ مَسْجِدٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ‏}‏، ‏{‏فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ‏}‏ ‏(‏وَ‏)‏ بِدُخُولِ ‏(‏حَمَّامٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ بِدُخُولِ ‏(‏بَيْتِ شَعْرٍ وَ‏)‏ بَيْتِ ‏(‏أُدُمٍ وَخَيْمَةٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الْآيَةَ وَالْخَيْمَةُ فِي مَعْنَى بَيْتِ الشَّعْرِ و‏(‏لَا‏)‏ يَحْنَثُ ‏(‏بِ‏)‏ دُخُولِ ‏(‏صِفَةِ دَارٍ وَدِهْلِيزِ‏)‏ هَا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْتًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ الْبَيْتُوتَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَضْرِبُ فُلَانَةَ فَخَنَقَهَا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ‏)‏ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ بِالضَّرْبِ وَهُوَ التَّأَلُّمُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بَرَّ لَكِنْ إنْ كَانَ الْعَضُّ تَلَذُّذًا لَا يَقْصِدُ التَّأْلِيمَ فَلَيْسَ كَالضَّرْبِ حُكْمًا فِيهِمَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَلَفَ ‏(‏لَا يَشَمُّ الرَّيْحَانَ فَشَمَّ وَرْدًا أَوْ بَنَفْسَجًا أَوْ يَاسَمِينًا‏)‏ وَلَوْ يَابِسًا حَنِثَ وَكَذَا لَوْ شَمَّ زَنْبَقًا أَوْ نِسْرِينًا أَوْ نَرْجِسًا وَنَحْوَهُ مِنْ كُلِّ زَهْرِ طَيِّبِ الرَّائِحَةِ وَقَالَ الْقَاضِي تَخْتَصُّ يَمِينُهُ بِالرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ لِأَنَّهُ مُسَمَّاهُ عُرْفًا‏.‏

قَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ ‏(‏لَا يَشَمُّ وَرْدًا أَوْ بَنَفْسَجًا فَشَمَّ دُهْنَهُمَا أَوْ مَاءَ الْوَرْدِ‏)‏ حَنِثَ لِأَنَّ الشَّمَّ لِلرَّائِحَةِ دُونَ الذَّاتِ وَالرَّائِحَةُ مَوْجُودَةٌ فِي ذَلِكَ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ ‏(‏لَا يَشَمُّ طِيبًا فَشَمَّ نَبْتًا رِيحُهُ طَيِّبٌ‏)‏ كَالْحُزَامِيِّ حَنِثَ لِطِيبِ رَائِحَتِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ ‏(‏لَا يَذُوقُ شَيْئًا فَازْدَرْدَهُ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ مَذَاقَهُ حَنِثَ‏)‏ لِأَنَّ الذَّوْقَ عُرْفًا الْأَكْلُ يُقَالُ مَا ذُقْت لِزَيْدٍ طَعَامًا أَيْ‏:‏ أَكَلْت وَظَاهِرُ الْمُغْنِي لَا‏.‏

قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي فِي «أَلْ» الْجِنْسِيَّةِ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَلَا أَلْبَسُ الثِّيَابَ‏.‏